ماذا بعد كورونا

اختلف عام 2020 -الى الآن- عن غيرها من الأعوام بالأحداث التي توالت على العالم أجمع وعلى عماننا خاصة، والأحداث التي نواجهها الآن والتي أصابت بلدنا الحبيبة في الفترات الماضية محورية لنهضة عمان القادمة، فبعد وفاة المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه في شهر يناير الماضي و تولي صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله ورعاه، ظهرت الحاجة من الكلمات السامية للسلطان لعقد العزم و المثابرة نحو التغيير السريع لتحقيق رؤية عمان 2040، و قد شهدنا الكثير من التغييرات الإيجابية التي ستساهم إن بادرت كامل الجهات المعنية بواجبها بنزاهة ووجدت السند من كل مواطن غيور مخلص إلى أن تضع سلطنة عمان في الخارطة ليست كمثال للسلام وللتعايش والوحدة والتاريخ فحسب بل كبؤرة للاستثمار الناجح وكمنار للتقنيات الحديثة وكرمز للعلم والمعرفة و كمنجم للقيادات الوطنية الواعدة، و كمنبع للشركات الناشئة العالمية الناجحة، و كوجهة للسياحة العالمية الأساسية في المستقبل القريب.

وانتشار كوفيد 19 أو ما يعرف أيضا بكورونا بالإضافة الى انخفاض أسعار النفط الحادة، قد ينظر اليها البعض بنظرة تشاؤمية من حيث الأضرار على الصعيد الإقتصادي التي أثرت سلبا على خططنا و كأنها هضبة ظهرت بيننا و بين ما نصبو ونسعى للوصول إليه، و لا يمكن الإنكار أو التغاضي عن تلكم الأضرار والتي ستؤثر حتما على قراراتنا المستقبلية في البيت أو العمل أو التجارة، ولكن في نفس الوقت أظهرت لنا الجائحة الكثير من الثغرات التي لابد لنا الوقوف عليها بكل حزم إن أردنا أن نصل إلى ما نهدف إليه في المستقبل، و هي ثغرات كنا ندري بها و كانت هناك خطط و جهود لإيجاد مختلف الحلول ولكنها لم تكن تترجم على أرض الواقع كقرارات و بسببها أصبحت أهمية إتخاذ تلكم القرارات بسرعة وترجمتها على أرض الواقع باتقان مسئووليتنا ككل لمستقبل اقتصادي متنوع قوي وآمن، وبالطبع ستكون هناك تضحيات بسبب التغييرات و لكن مع التغييرات ستكون هنالك فرص عديدة التي ستمكن المواطن من الإسهام بفعالية و تأمين المستقبل للجيل القادم.

ففي مجال التكنولوجيا والاتصالات و نظم المعلومات ظهرت الحاجة المهمة جدا الى توفير كافة الحلول التكنولوجية في قطاعات الاتصالات وتقنية المعلومات و الابتكارات لدفع عجلة التغيير للمستقبل، فهي لاتعتبر مجال ثانوي يستعان بها في نصف أو نهاية مشروع بل وجودها أصبح مهما عند بداية أي مشروع ، و أساسا لأي خطة في أي قطاع، فلو تحدثنا على سبيل المثال عن التعليم والتعلم والبحث العلمي والتي هي من الأولويات الوطنية واستلهمنا من رؤية عمان 2040 وتمعنا في التوجه الاستراتيجي: تعليم شامل وتعلّم مستدام، وبحث علمي يقود إلى مجتمع معرفي وقدرات وطنيّة منافسة[1]، والأهداف التي تم ذكرها في الرؤية والتي علينا تحقيقها في المستقبل العاجل لن يكون باستطاعتنا رسم خارطة الطريق من دون التوافق والتكامل مع التكنولوجيا، فلإيجاد نظام تعليمي شامل لكافة المستويات يجب أن نجد عدة آليات لتشجيع ثقافة التعليم الذاتي مثل التعلم عن بعد، بناء المحتويات، مختبرات الواقع الإفتراضي، أساسيات البرمجيات، والمكاتب الالكترونية، والمنصات المتكاملة، والمناهج التعليمية، والتواصل مع الأساتذة و الدكاترة والخبراء المحليين والعالميين في شتى المواضيع، والتعاون مع أمثال شركات جوجل، و مايكروسوفت و ساب و اوراكل و العديد من الشركات ذات المصادر المفتوحة للتعلم في العالم.

ويجب أن لا نحصر مصادر المعرفة على الكتب المدرسية و الجامعية بل علينا توظيف و تمكين باحث العلم من التنقيب عن طريق مختلف المصادر لإيجاد و تحسين سبل المعرفة، فطالب علم المستقبل سيمكنه الولوج في عالم الانترنت عن طريق الألياف البصرية او تقنيات الشبكات الحديثة وهو على قمة الجبل الأخضر لحضور درس مراجعة مباشر يتم بثها من مدرسة في مسقط و يقدمها مدرس له تقييم عالي - مثل التقييم على الخدمات التي نراها في الفنادق - من قبل الطلاب الذين حضروا دروسه من قبل في أسلوب التدريس و نقل المعلومات والمعرفة، و بإمكانه في نفس الوقت قراءة الكتب من المنصات السحابية المتعددة، و المشاركة برأيه وأفكاره عن الكتب التي قرأها مع مجموعة من الطلبة والمعلمين عن طريق تقنية مؤتمرات الفيديو Video conferencing  وأصبح بإمكانه العمل في مشروع مع طالب آخر من ثمريت لإيجاد مصدر للطاقة يمكنها أن تحل محل النفط، وعرضها على مجموعة دكاترة و مستثمرين من مختلف المحافظات المهتمين في المجال، كل هذه إمكانيات متواجدة و متوفرة في الوقت الراهن و كل ماتحتاجه هي عقول مدبرة و قرارات مدروسة لبناء الاساس اللازم فقط لتحقيق أول كلمتين من التوجه الاستراتيجي تعليم شامل، وابن هذا المثال المتواضع على بقية الاولويات الوطنية والتوجهات الإستراتيجية التي يجب علينا تحقيقها مابعد كورونا.

فلنجعل من هذه الجائحة مصدر إلهام و مصدر تحفيز لتحقيق آمالنا و رؤيتنا المستقبلية، و لنعمل يدا بيد بعيدا عن المصالح الشخصية لإيجاد حلول حقيقية و جذرية للمستقبل, و لنبتعد عن الحساسيات و التفرقات التي لن تخلق منظومة عمل متكاملة و لن توصلنا إلى أهدافنا و لن تحقق ما نحن نريد من انجازات لنا و لأبنائنا و لبلدنا الحبيبة عمان.


[1] الأولويات الوطنية https://www.2040.om/national-priorities/

Previous
Previous

الذكاء الإصطناعي من أين نبدأ ؟

Next
Next

Culture and Leadership: Building the right equation